منهاج الأصول - ج ٣

محمّد ابراهيم الكرباسي

منهاج الأصول - ج ٣

المؤلف:

محمّد ابراهيم الكرباسي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار البلاغة
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٣٨

التنجيز في الموافقة القطعية والمخالفة القطعية ما لم يستلزم مخالفة للعلم التفصيلي فلا يجب العمل به في مورد المخالفة لما هو معلوم انه يستحيل المنع عن العمل بالقطع وما توهم من ان ظاهر المنع فلا بد من حمله على ما لا ينافى وجوب العمل على مقتضاه كالفروع التي ذكرها الشيخ الانصاري (قدس‌سره) التي منها ما لو اودع شخص درهما وشخص آخر درهمين عند ثالث فتلف أحدهما يعطى لصاحب الدرهمين درهم واحد والدرهم الآخر ينصف بينهما (١) فلو انتقل النصفان الى ثالث بهبة ونحوه

__________________

بينها تسقط باجمعها ولا يقال بان المعارضة بين بعضها ويبقى الباقى سليما عن المعارض فان القلة والكثرة لا اثر لها مع كونها في مرتبة واحدة كما فيما نحن فيه ففى محتمل الغصبية تجري قاعدة الحل والبراءة الشرعية وفي محتمل النجاسة تجري ثلاثة من الاصول قاعدة الطهارة والحل واصالة البراءة وحيث انها كلها في مرتبة واحدة لذا تسقط بالمعارضة واما بقية الآثار من ازالة الخبث والتبريد فكالوضوء من غير فرق بينهما كما انه لا ينجس ملاقيه على جميع المباني لجريان استصحاب الطهارة في الملاقي (بالكسر) ان كانت له حالة سابقة أو قاعدة الطهارة ان لم يكن له حالة سابقة وكلاهما يجريان من دون معارض إذ مع التعارض في جريانها في الملاقى بالفتح ويحكم بتساقطها فليس ذلك هو الحكم بنجاسته ليحكم بتنجيس ملاقيه وان لم نقل بالتعارض فقاعدة الطهارة تجري في الملاقى بالفتح ويحكم بطهارة ما يلاقيه فافهم وتأمل.

(١) لا يخفى ان الاصحاب حكموا بتنصيف الدرهم بين صاحب الدرهم وبين صاحب الدرهمين لقاعدة العدل والانصاف إذ هى قاعدة عقلائية ممضاة من قبل الشارع في جملة من الموارد التى هي نظير المقام كما لو تداعى شخصان في مال واحد وكان المال تحت يدهما أو أقام كل واحد منهما البينة أو لم يتمكنا

١٠١

واشترى بمجموعهما جارية يعلم تفصيلا بعدم دخولها في ملكه لان بعض ثمنها ملك الغير قطعا فلا يجوز وطئها والنظر اليها وقد ذكرت لذلك وجوه كالصلح

__________________

من اقامة البينة وحلفا أو نكلا ففي جميع تلك الموارد الشارع حكم بتنصيف المال بينهما أو من باب الصلح القهرى بان يكون المورد بحسب نوعه موردا للترافع فالشارع حسما لمادة النزاع حكم بالتنصيف. وكيف كان بقاعدة العدل والانصاف أو من باب الصلح القهرى يملك النصف بحكم الشارع واقعا فمع ملكيته واقعا لا مانع من اجتماع النصفين عند ثالث إذ الحكم بالتنصيف يغير الواقع فلا يحصل العلم التفصيلي بعدم وصول المال من صاحبه. نعم لو قلنا بان تلك الاحكام ظاهرية لا تغير الواقع فيلزم العمل على مقتضى العلم الاجمالى ما لم يحصل مخالفة للعلم التفصيلي إذ ادلة التنصيف انما دلت على جواز التنصيف لا جواز تصرف الشخص الثالث في مجموعهما إذ ذلك مخالفة للعلم التفصيلى وقد يقال بان الاجمال في المتعلق يغير الحكم واقعا فيلتزم بالمقام بالشركة والاشاعة بتقريب ان الاجمال المتحقق في الاموال كخلط من حنطة بمنين توجب الاشاعة اذ الملكية لما كانت متعلقة بخصوصية العينية قبل الخلط وبالخلط تبطل تلك الملكية القائمة بالخصوصية فاذا خرجت تلك الخصوصية الافرازية عن كونها متعلقة للملك فتحصل الاشاعة والاشتراك ويكون خلط الدرهم مع الدرهمين كخلط المن بالمنين فعليه لا بد من التقسيم حسب نسبة المالين فيعطى لصاحب الدرهم ثلث الدرهمين ولصاحب الدرهمين ثلثاهما فما ورد في درهم الودعي من تنصيف الدرهم بين صاحب الدرهم وبين صاحب الدرهمين فهو محمول على عدم الخلط كما هو قضية اشتباه المالين وعدم تمييز أحدهما عن الآخر من دون خلط فالحكم بالتصالح أو القرعة ولكن لا يخفى ان المقام اجنبي عن باب الامتزاج ولو كان منه لزم ان يحكم الاصحاب بالتثليث مع انهم حكموا بالتنصيف

١٠٢

القهري أو التنصيف إلا انها انما تصحح جواز انتقال كل من النصفين للشخص الثالث ما لم تستلزم مخالفة للعلم التفصيلي اذ النص انما ورد على جواز التنصيف لا في جواز تصرف الشخص الثالث في مجموعهما لكون ذلك مخالفة للعلم التفصيلى ولو ورد دليل يدل على جواز المخالفة له لا بد من حمله وتأويله إذ لا يعقل المنع عن حجيته وكذا لو اختلف المتبايعان في المثمن واتفقا على الثمن ووقوع البيع مثلا اتفقا على ثمن معين كعشرة دنانير واختلفا في المثمن هل هو العبد أو الجارية؟ فانه يحكم بالانفساخ لو تحالفا مع عدم البينة لاحدهما فيرد كل الى مالكه السابق فلو انتقل العبد والجارية الى شخص ثالث فيعلم بعدم جواز التصرف باحدهما لكون احدهما ملكا للمشتري يقينا فان الحكم بالانفساخ لو قلنا بانه يصحح النقل لثالث ما لم يستلزم مخالفة للعلم فلا يجوز للثالث التصرف إذ عدم جواز مخالفة العلم ولو اجمالا ضرورى.

ومنها ما لو تردد بين مكلفين كواجدى المني في الثوب المشترك فانا

__________________

ولم يحكموا بالقرعة وسر ذلك تقديم جانب الموافقة القطعية في الجملة مع المخالفة القطعية على المخالفة والموافقة الاحتماليتين في باب الاموال.

بيان ذلك ان في القرعة يحتمل وصول تمام المال الى المالك ويحتمل عدم وصول تمامه اليه وفي التنصيف يعلم بوصول بعض المال الى صاحبه فالشارع لاحظ وصوله الى المالك الاصلى ولو بعضه وقدمه على ما يحتمل عدم الوصول اصلا ويكون من قبيل صرف شيء من المال لوصوله الى المالك على ان القرعة موهونة لكثرة التخصيص الوارد عليها فلا يجوز الاستناد اليها ما لم ينجبر باستناد الاصحاب اليها فكيف في المقام الذي اعرض فيه الاصحاب عنها وحكموا بالتنصيف فلا تغفل.

١٠٣

نمنع ما اذا كان أحدهما موردا لتكليف الآخر من غير فرق بين ان يحصل له العلم التفصيلي بتوجه خطاب له كاقتداء أحدهما بالآخر في الصلاة للقطع حينئذ ببطلان صلاته اما لأجل صلاة نفسه لكونه جنبا واقعا أو لأجل صلاة امامه إلا أن نقول بان صحة صلاة الامام ظاهرا توجب صحة صلاة المأموم واقعا او يحصل له العلم بتوجه احدى الخطابين كحمل أحدهما للآخر ودخوله المسجد فانه يعلم بتوجه أحد التكليفين من حرمة الدخول أو الادخال ، واما إذا لم يكن أحدهما موردا للآخر فيجب عمل كل على تكليف نفسه حسب مقتضى جريان الاصل في حقه. واما الكلام في الخنثى فالظاهر انه يجب عليها الاحتياط لانها

تعلم بتوجه خطاب اما خطاب الرجال أو خطاب النساء

هذا تمام الكلام في المقصد الاول في القطع والحمد لله

اولا وآخرا وظاهرا وباطنا.

١٠٤

المقصد الثانى في الظن (١)

وفيه مباحث

الاول في امكان التعبد به فنقول : المراد من الامكان هو الامكان الوقوعي أي ما لا يلزم من التعبد به محال في قبال الاستحالة الوقوعية اى ما يلزم

__________________

(١) لا يخفى ان الحجية ليست من لوازم الظن لا بنحو العلية ولا بنحو الاقتضاء اما كونها ليست بنحو العلية فواضح اذ ذلك ملازم لطريقيته الذاتية كالقطع ومعلوم انه لا تحقق له إلا في القطع فلذا حكم العقل بوجوب متابعة القطع دون غيره. ودعوى ان العقل يحكم بوجوب اتباع القطع لوجوب دفع الضرر المقطوع كذلك يحكم العقل بوجوب اتباع الظن لوجوب دفع الضرر المظنون ممنوعة بان العقل انما حكم بوجوب اتباع القطع لكون طريقيته ذاتية الموجب لحكمه باستحقاق العقاب وليس كذلك في الظن فلا يحكم العقل باتباعه نعم لو ثبت حجيته بدليل ولو كان بدليل الانسداد فالعقل يحكم باتباعه بمناط وجوب دفع الضرر المظنون بناء على ان العقاب على مخالفة الواقع ، واما بناء على مخالفة الحجة فالعقاب يكون بمناط دفع الضرر المقطوع لا الضرر المظنون ، واما بنحو الاقتضاء فالوجدان حاكم بانه ليس فيه اقتضاء للحجية بمعنى انه لو لم يمنع من العمل به فهو حجة بل حجيته تحتاج الى جعل ولو كانت مقدمات دليل الانسداد بناء على تقريرها بنحو الحكومة ، قال المحقق

١٠٥

من التعبد به استحالة وقوعية كلزوم اجتماع الضدين وليس المراد من الامكان هو الاحتمال كما هو المراد من قول الشيخ الرئيس كلما قرع سمعك فذره في بقعة الامكان ما لم يذك قائم البرهان) لما هو معلوم ان الاحتمال أمر محقق تكويني

__________________

الخراساني في كفايته ما هذا لفظه : (انه لا ريب في ان الامارة غير العلمية ليست كالقطع في كون الحجية من لوازمها ومقتضياتها بنحو العلية بل مطلقا وان ثبوتها لها تحتاج الى جعل او ثبوت مقدمات وطرو حالات موجبة لاقتضائها الحجية عقلا بناء على تقرير مقدمات الانسداد بنحو الحكومة وذلك لوضوح عدم اقتضاء غير القطع للحجية بدون ذلك) إلا انه نمنع كون تقرير دليل الانسداد بنحو الحكومة موجبا لحجية الظن إذ التقرير على نحو الحكومة يوجب تضييق دائرة الاحتياط في مقام العمل بان يؤخذ بالظن ويترك المشكوكات والمظنونات فحينئذ لا مانع من دعوى كون حجية الظن منوطة بالجعل الشرعي ولو بالاستكشاف من دليل الانسداد من غير فرق بين مقام الثبوت ومقام السقوط.

ودعوى جواز الاكتفاء بالظن بالفراغ في مقام السقوط كما ينسب الى بعض المحققين ففي غير محله إذ لازمه الاكتفاء بالامتثال الاحتمالى عن الامتثال التفصيلي مع انه لا يلتزم به أحد إذ شغل الذمة اليقينى يستدعي الفراغ اليقينى.

نعم يمكن تأويل كلامه بانه ناظر الى مقام تعذر التمكن من الامتثال التفصيلي فله مجال للقول بالاكتفاء بالامتثال الظني على ان مرحلة السقوط أجنبية عن مرحلة مقام الحجية لما عرفت ان مقام السقوط انما هو بعد مقام الثبوت فاي معنى للقول بانه حجة في مقام السقوط إلّا بمعنى كفاية المفرغ الجعلي التعبدي وذلك لا بد أن يكون للجعل الشرعي إذ لا يعقل ان يكون المظنون مفرغا من دون جعل شرعي بكونه مفرغا فلا تغفل.

١٠٦

غير قابل للنزاع كما انه ليس المراد من الامكان الذاتي في قبال الاستحالة الذاتية اذ التعبد بالظن ليس مما يحكم العقل باستحالته بمجرد تصوره كما في تصور اجتماع النقيضين أو الضدين كما أنه ليس المراد من الامكان التشريعي ويقابله الامتناع في عالم التشريع كما ادعاه بعض الاعاظم بتقريب أن التعبد بالامارة يوجب تفويت المصلحة والالقاء في المفسدة أو وجوب ما هو حرام أو حرمة ما هو واجب ، فإن هذه المحاذير راجعة إلى عالم التشريع وليست راجعه الى عالم التكوين لكى يكون المراد من الامكان التكوينى ففيه ان هذه المحاذير وان كانت راجعة الى عالم التشريع إلا انه لا تخرج الامكان والاستحالة من التكوين على أن محذور اجتماع الضدين او صدور القبيح من الحكيم كمثل نقض الغرض راجعة إلى عالم التكوين فعليه لا يخرج الامكان والاستحالة في المقام عن الامكان التكويني لمجرد كونه موضوعا لأمر تشريعي. وكيف كان فقد عرفت أن النزاع في المقام هو في امكان وقوع التعبد بالظن الذي هو عبارة عما لا يلزم من وقوع التعبد به محال ، ويقابله الامتناع الوقوعي الذي يكون بنفسه ليس محالا ولكن من وقوعه يستلزم المحال كمثل اجتماع الضدين ، فإن وجود أحد الضدين في ظرف وجود الضد المقابل في ذاته ليس محالا ولكنه يستلزم المحال فمرجع النزاع إلى ان وقوع التعبد بالظن يلزم المحال مطلقا كاجتماع الضدين ، او بالنسبة إلى صدوره من الحكيم يكون محالا لكونه يلزم من وقوع التعبد بالظن تحليل الحرام أو تحريم الحلال أم لا قيل بامتناعه لوجهين :

الأول لو جاز التعبد بخبر الواحد في الاخبار عن النبي (ص) لجاز التعبد به في الاخبار عن الله تعالى والتالى باطل اجماعا.

١٠٧

الثانى أن التعبد به موجب لتحريم الحلال وتحليل الحرام وقد اجاب الشيخ (قدس‌سره) عن الأول بأن الاجماع يدل على عدم الوقوع لا على الامتناع مضافا الى ان عدم الجواز قياسا على الأخبار عن الله تعالى بعدم تسليم صحة الملازمة انما هو فيما إذا بنى تأسيس الشريعة اصولا وفروعا على العمل بخبر الواحد لا مثل ما نحن فيه مما ثبت أصل الدين وجميع فروعه بالادلة القطعية لكن عرض اختفاؤها في الجملة من جهة العوارض واخفاء الظالمين للحق ، ولكن لا يخفى ما فيه ، إذ المانع من العمل بخبر الواحد في اصول الدين وجود جهة مقبحة بنحو لا يصدر من الحكيم فحينئذ لا يفرق بين ما بني عليه تأسيس أصل الشريعة وبينما ثبتت الشريعة بأصولها وفروعها إلا أنه عرض عليها اخفاء بعض الظالمين ، فلذا الأولى في الجواب انه لا تلازم بينهما إذ الفرق في ان الاخبار عن الله تعالى وعن نبوة النبي (ص) إنما يكون بتوسط الوحي ونحوه وذلك لا يكون إلا ممن كان نبيا من الله سبحانه بخلاف الأخبار عن النبي (ص) والأئمة (عليهم‌السلام) في الحكم التكليفي ، فاتفاقهم على منع التعبد بخبر الواحد في الاخبار عن الله تعالى ونبوة النبي (ص) لا يلازم منع العمل بخبر الواحد في الاخبار عن النبي (ص) والأئمة (ع) في الأحكام لما عرفت من الفرق بينهما واستدل المشهور على الامكان بانا نقطع بأنه لا يلزم من التعبد به محال واعترض على ذلك الشيخ (قدس‌سره) بأن القطع بعدم لزوم المحال في الواقع موقوف على احاطة العقل بجميع الجهات المحسنة والمقبحة وعلمه بانتفائها وهو غير حاصل فيما نحن فيه ولكن لا يخفى فانه قد يحصل القطع للشخص باعتبار غفلته عن بعض الجهات المؤثرة في الحسن والقبح فلا يرى إلا الجهة التي يذكرها

١٠٨

الخصم ، فحينئذ من إبطال تلك الجهة يحصل له القطع بعدم المحالية ومن هنا لا مانع من ادعاء ان نفس احتمال الامكان وعدم دليل يدل على الاستحالة يدل على كونه ممكنا وبذلك استدل الشيخ الانصاري (قدس‌سره) على كون التعبد ممكنا ما هذا لفظه : (باننا لا نجد في عقولنا بعد التأمل ما يوجب استحالته وهذا طريق يسلكه العقلاء في الحكم بالامكان).

وبيانه أن بناء العقلاء جرى على كون الشيء ممكنا من جهة كونه محتملا ولا دليل يدل على استحالته ، وهذا اصل عقلائي يجري في كل ما شك في امكانه وامتناعه ، وقد اعترض على ذلك الاستاذ في الكفاية بعدم حصول الحكم الجزمي مع احتمال الامتناع ومنع تحقق سيرة العقلاء على ترتيب آثار الامكان عند الشك فيه ومنع حجيتها لو سلم ثبوتها لعدم قيام دليل قطعي على اعتبارها والظن بها لو كان. فالكلام الآن في امكان التعبد به وامتناعه ولكن لا يخفى اما أولا فإن كلام الشيخ ليس في مقام حصول الحكم الجزمي بل حسبما عرفت ان نفس احتمال الامكان وعدم دليل يدل على استحالته يدل على الامكان بمعنى انه يترتب عليه آثار الامكان مع احتمال الاستحالة ، واما ثانيا فاشكال عدم تحقق السيرة أولا دليل على اعتبارها فلا يرد إلا إذا كان مراد الشيخ تحقق السيرة على الامكان مطلقا ، واما لو كان مراده ان العقلاء لا يعتنون باستحالته كما لو ورد دليل عام وشك انه ناشئ عن مصلحة لكي يكون الحكم من الشارع الحكيم ممكنا أو أنه ليس فيه مصلحة لكي يكون مستحيلا فمن الواضح انه يؤخذ بظهور الدليل في كونه ممكنا وينفى احتمال الاستحالة ، وفي مقامنا لو خلينا وانفسنا لا تجد في عقولنا مما يوجب الحكم باستحالته ، وعلى مثل هذا

١٠٩

جرت السيرة العقلائية.

واما الوجه الثاني من القول بالامتناع فقد اجاب الشيخ الانصاري (قده) عنه بما حاصله ان الخصم اما ان يدعي الامتناع في صورة الانفتاح او في صورة الانسداد ، وعلى الثاني فأما أن يكون عند قيام الامارة ذوي أحكام فلا محيص من ارجاعه إلى ما لا يفيد العلم من الاصول والامارات الظنية إذ المفروض انسداد باب العلم وان لم يكن ذوي أحكام فلا يلزم منه تحليل الحرام أو تحريم الحلال إذ لا حلال ولا حرام هناك فهي كالسالبة بانتفاء الموضوع ، وعلى الأول فلا ضير في ان تكون قيام الامارة محدثا لمصلحة يتدارك بها مصلحة الواقع ، ولكن لا يخفى انه على فرض تمامية مقدمات الانسداد فلا معنى للرجوع إلى الأصول والامارات بل المرجع الى الظن بحكم العقل وان لم تتم مقدمات الانسداد فالمرجع قبح العقاب بلا بيان التى هي البراءة العقلية فأين يلزم من التعبد بالظن تحليل الحرام وتحريم الحلال.

وكيف كان فمحذور تحريم الحلال وتحليل الحرام هو المنسوب الى ابن قبة وقد عبر عنه بعبارات مختلفة مثل اجتماع المثلين فيما لو أصاب ، والضدين فيما لو أخطأ واجتماع الارادة والكراهة والمصلحة والمفسدة ومثل تفويت المصلحة والالقاء في المفسدة ومثل نقض الغرض ولا يخفى انه لا تتأتى هذه المحاذير على الطريقية في ظرف الانسداد إذ الطريقية ليست إلا تنجيز الواقع عند الاصابة والعذرية عند الخطأ فلا يحصل من قيام الامارات انشاء حكم لكي يلزم تحليل الحرام أو تحريم الحلال أو اجتماع المثلين أو الضدين كما ان نقض الغرض وتفويت المصلحة يكون في فرض الانسداد أمرا قهريا بسبب جريان البراءة فلا يستند

١١٠

الى التعبد بالامارة وهكذا لا يلزمان على الموضوعية لفواتهما بسبب البراءة. نعم يتوجه محذور اجتماع المثلين أو الضدين على الموضوعية.

واما في صورة الانفتاح والتمكن من العلم ولو بالسؤال عن المعصوم (ع) فعلى الموضوعية تتوجه جميع تلك المحاذير ، واما على الطريقية فلا تتوجه إلا محذور تفويت المصلحة ونقض الغرض وقد ادعى بعض الأعاظم (قده) عدم لزوم ذلك بتقريب ان المراد من انفتاح باب العلم هو امكان وصول المكلف إلى الواقع ولو بالسؤال عن الامام لا فعلية الوصول (١) فحينئذ يمكن أن تكون

__________________

(١) ثم لا يخفي انه بعد ما ذكر (قده) المراد من انفتاح باب العلم هو امكان الوصول لا فعلية الوصول قال لا ملازمة بين الانفتاح وبين عدم الوقوع في خلاف الواقع إذ يمكن أن تكون الامارات الظنية في نظر الشارع كالاسباب المفيدة للعلم التى يعتمد عليها الانسان من حيث الاصابة والخطأ بقدر اصابة العلم وخطأه فلا يلزم محذور من التعبد بالامارات الغير العلمية لعدم تفويت الشارع من التعبد مصلحة على العباد ، ثم قال فما يظهر من الشيخ (قده) من الاعتراف بالقبح في صورة الانفتاح ليس في محله لما عرفت من امكان أن تكون الامارات الغير العلمية من حيث الاصابة والخطأ كالعلم بل الطرق المبحوث عنها في المقام كلها طرق عقلائية عرفية وتلك الطرق من حيث الإتقان عند العقلاء كالعلم من حيث الاصابة والخطأ والشارع قرر العقلاء على الأخذ بها ثم قال (قده) ومن ذلك يظهر انه لا وجه لتكثير الاقسام من كون الامارة غالب المصادفة أو دائم المصادفة أو أغلب مصادفة من الأسباب المفيدة للعلم مع ان المدار على كون الامارة من حيث الاتقان كالعلم ، ولا سبيل الى دعوى كون الامارة أكثر خطأ من العلم انتهى. وقد اعترض عليه بعض في شرحه

١١١

الامارات الظنية من حيث الاصابة والخطأ مثل اصابة العلم وخطأه فلا يلزم من التعبد بالامارة تفويت المصلحة ولكن لا يخفى ما فيه فإن تفويت المصلحة في مورد العلم لو اخطأ امر قهرى لعدم التفات القاطع لخطئه بخلاف التعبد بالامارة فان

__________________

للرسائل بما لفظه (انه لا وجه لاشكاله (قده) عليه بانه اعترف بالقبح في حال الانفتاح ولزوم تحليل الحرام حيث ان كلمات المصنف تنادى باعلى صوت بانه لا يلزم القبح على تقدير الانفتاح المقصود منه التمكن من تحصيل مطلق العلم).

اقول ان الناظر الى كلام الشيخ (قده) يجد انه قد اعترف بالقبح مع انفتاح باب العلم حيث يقول ايجاب العمل بالخبر على الوجه الأول وان كان في نفسه قبيحا مع انفتاح باب العلم. ودعوى انه يعترف بالقبح في العلم المصادف كما ادعاه هذا البعض في كلامه لا اصل له فان أول كلامه يجده الناظر انه (قده) يدعي ان المراد من الانفتاح هو التمكن من العلم ، فما تخيله هذا البعض ارادة المصادف من لفظ العلم فهو اجتهاد منه كيف يريده بذلك في أول كلامه مع انه بنى تشقيقات التي ذكرها على ارادة انفتاح مطلق العلم إذ كون العلم أغلب مطابقة أو مساويا لا يصح جعله من تشقيقات انفتاح باب العلم المصادف.

ودعوى استفادة ارادة العلم المصادف من قول الشيخ والاولى الاعتراف بالقبح مع التمكن من الواقع في غير محله إذ غرضه من التمكن امكان الوصول لا فعلية الوصول. نعم يرد على الشيخ ما ذكره الاستاذ المحقق النائيني من عدم وجه لتكثر الاقسام إذ لا فائدة فيها إذ المدار على كون الامارة من حيث الاتقان والاستحكام كالعلم كما هو الشأن فيما هو بيد العقلاء من الطرق والامارات ولا سبيل الى دعوى الامارة اكثر خطأ من العلم وقد استوفينا الكلام في تقريراتنا لبحثه الشريف.

١١٢

احتمال الخطأ حاصل فيكون التعبد بالامارة مع الخطأ تفويتا اختياريا وهو قبيح. وبالجملة فرق بين التفويت في مورد العلم وبين التفويت في مورد الامارة.

وتنقيح المقام على وجه ترتفع عنه غائلة الاشكال فنقول وبالله المستعان : ان التكاليف الواقعية انما يجب امتثالها اذا ابرزت بصورة الخطاب ووصلت تلك الخطابات الى المكلفين وان لا يكون هناك رادع للشهوة ، واللازم على الحكيم لما كان غرضه الاهتمام أن يصدر خطابا وان يوصله اليهم وليس للشارع ان يردع من الشهوة لأنه يلزم منه الجبر ، فاللازم على الحكيم ايجاد المقدمتين دون المقدمة الأخيرة ، وهذه المقدمات طوليات فان المقدمة الأولى لم تكن لها فائدة إلا حفظ الوجود وسد العدم الناشئ من جهتها لا انها توجب حفظ الوجود وسد العدم الناشئ من المقدمة الثانية إذ هى في طولها فلا يعقل شموله لها فالخطاب لا يستدعي إلا حفظ الوجود من ناحيته سواء انضمت اليه مرتبة البلوغ أم لا وعدم انضمام مرتبة البلوغ لا يضر في فعلية الخطاب وما هو مستدعي له من حفظ الوجود.

وبالجملة ان ايجاد الفعل له موانع وانعدامات فتارة تكون من عدم الخطاب واخرى من عدم التبليغ وثالثة من وجود الشهوة فالخطاب الواقعى انما يوجد سد باب العدم الأول وليس له تعرض لسد العدم الثانى سواء انضم اليه سد باب العدم الثاني أم لم ينضم فعدم الانضمام لا يوجب نقصا في استعدادية الخطاب فان بلغ اهتمام المولى الى نحو ينبغي ايجاد الخطاب وتبليغه فلا بد له من ايجادهما وإلّا اقتصر على مجرد الخطاب ويبقى المكلف جاهلا فلو جاء ترخيص حينئذ لا يزاحم الخطاب الواقعى لان استعدادية الخطاب مع مجيء الترخيص محفوظة وهو سد العدم الناشئ من ناحيته نعم لو بلغ مرتبة التكليف الواقعي الى التبليغ وجاء ترخيص حصلت

١١٣

المزاحمة بين التكليف الواقعى والترخيص وبعبارة اخرى ان الخطاب الواقعي لو لم يصل الى مرتبة البلوغ لم يكن الغرض منه إلا اخراجه من كتم العدم الى الوجود لمصلحة تقتضيه فلو جاء والحال هذه ترخيص فانه لا ينافي ذلك الخطاب اذ الخطاب الواقعي لا يشمل مرتبة الترخيص فكذلك الترخيص لا يشمل مرتبة الخطاب الواقعي فلا يتحقق بينهما المزاحمة اذ فائدة الخطاب الواقعي محفوظة مع مجيء الترخيص اذ ربما يكون فيه مصلحة في انشائه مثل الامتنان على العبد بانه مرخص فيه مع تحقق الخطاب الواقعي من غير فرق بين كون الامارة على نحو الطريقية أو الموضوعية لما عرفت من اختلاف المرتبة بينهما بحيث يكون الواقع محفوظا ولا يضر به قيام الامارة على الترخيص ولو كانت ذا مصلحة.

وبتقرير آخر ان العناوين المنتزعة من مقام الوجود المعروضة للاحكام والمتصور في الذهن بنحو ترى خارجية ، فتارة تكون في عرض واحد واخرى تكون بينها طولية ، وعلى الثاني فتارة تكون الطولية بينها باعتبار عروض وصف على الذات واخرى تكون الطولية باعتبار طولية الذات والفرق بينهما انه على الأول تكون الذات مجمعا للعنوانين ومصداقا لهما كالرقبة المطلقة والرقبة المؤمنة فان بين العنوانين طولية مع انهما ينطبق الاول على ما انطبق عليه الثانى فتكون الرقبة المؤمنة مصداقا لهما بخلافه على الثاني فان الذات لم تكن محفوظة في المرتبتين فلا تكون الذات مصداقا للعنوانين كمثل الذات المعروضة للامر والذات المعلولة لدعوته ومن هذا القبيل الحكم الواقعي مع الحكم الظاهري فان الموضوع فيهما يختلف بحسب المرتبة بنحو لا يكون شىء واحد مجمعا لهما في عالم العروض ومنشأ ذلك هو كون خطا بهما طوليين ومع فرض طولية الخطاب لا يكون كل واحد

١١٤

منهما متعرضا لحال الآخر فان الخطاب الواقعي ناشئ من مقدمات من قبل المولى كخطابه الموجب لدعوة المأمور به ولا يكون متعرضا للخطاب الذى تحقق في ظرف جهل المكلف فيما اذا لم يتعلق غرض المولى بحفظ وجود الخطاب الواقعي في جميع المراتب بل غرضه حفظ الوجود من قبل خطابه الاول ، وحينئذ لا يتوجه الخطاب الى حفظ الوجود في المرتبة المتأخرة التي هي عدم علم المكلف فللمولى السكوت ويدع المكلف على جهله فيرجع الى عقله ويجرى البراءة العقلية بل للمولى ان ينشأ خطابا على خلاف الخطاب الاول بلا احتياج الى مصلحة مهمة جابرة أو مزاحمة بل يكفى ادنى مصلحة في انشاء الخطاب ولو كانت امتنانا على العبد بتحقق الترخيص ، نعم لو كان المولى مهتما بحفظ الوجود في المرتبة الثانية التي هي مرتبة التبليغ والوصول الى المكلف لزم عليه ان ينشأ خطابا آخر في ظرف جهل المكلف ولو بايجاب الاحتياط وحينئذ لا يصح له ابقاء المكلف على جهله بل يجب عليه رفع جهله فضلا عن انشاء خطاب على خلاف الواقع ولا يمكن استكشاف غرض المولى على النحو المذكور من الخطاب الواقعي لما عرفت انه لا اطلاق فيه باعتبار المرتبة المتأخرة فلا يستكشف من الخطاب الواقعي إلا بمقدار ما له استعداد لحفظ الوجود من قبله واحتياج حفظ الوجود من ناحية التبليغ الى خطاب آخر يسمى بمتمم الجعل فمع عدم حصوله فلا يلزم على المولى حفظ الوجود من تلك الناحية فله أن يسكت ويترك المكلف غافلا فيرجع الى عقله فيجرى البراءة العقلية أو ينصب له طريقا على خلافه من دون لزوم محذور في البين لعدم المنافاة بين الخطاب الواقعى والترخيص على خلافه لعدم شمول الخطاب الواقعى للترخيص وبالعكس.

١١٥

اذا عرفت ذلك فاعلم انه مع اختلاف المرتبة اين يلزم تحليل حرام وتحريم حلال باي تقريب حصل من اجتماع المثلين أو الضدين او اجتماع المصلحة والمفسدة او الكراهة والارادة او تفويت الغرض إذ ما عدى الاخير انما يلزم اذا كانت المرتبة محفوظة وإلا فلا تلزم هذه اللوازم الباطلة واما الاخير فلا يلزم منه تفويت الغرض اذ انما يلزم لو كان الخطاب الواقعى فائدته سد جميع أبواب العدم ولكن قد عرفت عدم معقوليته بل انما يكون الغرض منه سد باب العدم الناشئ منه ولا ينافى المصلحة على وجود ترخيص في مرتبة الحكم الظاهرى إذ لا مزاحمة بين المصلحتين لما كان بينهما من اختلاف المرتبة واحدهما لا يصل الى مرتبة الآخر.

ومما ذكرنا ظهر انه لا مجال لدعوى لزوم شىء من المحاذير من غير فرق بين كون قيام الامارة بنحو الطريقية او الموضوعية اما على الطريقية فلا موضوع للشبهة لما عرفت انها عبارة عن تنجيز الواقع في الاصابة وعذرية في الخطأ فلم يكن على الطريقية انشاء حكم لكي تلزم تلك المحاذير من غير فرق بين صورة الانفتاح أو الانسداد واما على الموضوعية فهو وان كان المؤدى مشتملا على حكم إلا انه لا يزاحم الواقع لما عرفت من الاختلاف بين الحكم الواقعي ومؤدى الامارة بحسب المرتبة فلم تكن الذات مصداقا لهما فلا يسرى الحكم من احد العنوانين الى الآخر.

وبالجملة الواقع محفوظ ومحكوم بالحكم الواقعى ولا ينافيه كون مؤدى الامارة حكما ترخيصيا على خلافه بناء على الموضوعية من غير ان يستلزم التصويب او الاجزاء باي معنى من معانيه فان ذلك فيما اذا كان الواقع خاليا من الحكم ولا يلزم منه القول بالاجزاء إذ الاحكام الواقعية لها مرتبتان مرتبة

١١٦

الفعلية ومرتبة التنجيز الذي هو مورد الامارة وليست المرتبة الاولى مورد الامارة فتلك المرتبة باقية على واقعيتها محفوظة لا تتغير وان قامت امارة على خلافها لما عرفت انها لا تنافيه أو تضاده لاختلاف المرتبة وعدم سراية أحدهما للآخر لعدم وجود اطلاق في احدهما يشمل الآخر ، وقد ادعى بعض الاعاظم (قدس‌سره) ان الاختلاف في المرتبة لا يرفع غائلة محذور اجتماع الضدين إذ الحكم الظاهري وان لم يكن في مرتبة الحكم الواقعى إلا ان الحكم الواقعى يكون في مرتبة الحكم الظاهري ففي رتبة الشك قد اجتمع الحكمان المتضادان ولكن لا يخفى ان ما ذكره مبني على سراية الاحكام الثابتة للعناوين الى المعنون الخارجي فحينئذ يجتمع الحكمان المتضادان في المعنون الخارجي ولكن ذلك محل نظر بل منع ، إذ المعنون الخارجى موطن سقوط الاحكام فلا يعقل ان يكون معروضا للاحكام وليس ذلك إلا من طلب الحاصل فلذا قلنا ان معروض الاحكام الصور الذهنية بما انها ترى خارجية بنحو لا يراها في مقام التصور قبال الخارج بل ترى عين الخارج بنحو لا ترى بينهما اثنينية ولذا يكتسب أحدهما لون الآخر من الطرفين.

ومن هنا نقول بقيام المصالح والمفاسد بالعناوين مع انها قائمة بما هو في الخارج أو تعلق الارادة والكراهة بما هو في الخارج مع ان تعلقها بنفس العناوين لما بين العناوين وما في الخارج من الاتحاد والعينية بالنظر التصورى وان كانت بالنظر التصديقى غيره مع وقوف الحكم على نفس العنوان وعدم سرايته الى نفس المعنون الخارجي لما عرفت انه مقام السقوط لا يعقل ان يكون معروضا للاحكام والعجب من هذا القائل بعدم كفاية الطولية بين الحكم

١١٧

الظاهري والواقعى في الامارات والاصول المحرزة وكفاية طولية الحكمين في الاصول الغير المحرزة بتقريب ان الاحكام الواقعية تارة تكون بمرتبة من الاهمية بنحو يجب رعايتها على المولى حتى في صورة الجهل فيلزم عليه انشاء ما يرفع الجهل ولو بانشاء ايجاب الاحتياط واخرى تكون بمثابة لا يجب رعايتها في ظرف الجهل وحينئذ للشارع جعل المؤمن بلسان الرفع او بلسان الوضع فتكون كالرخصة المستفادة من حكم العقل بقبح العقاب بلا بيان فكما ان الرخصة التى تستفاد من حكم العقل بقبح العقاب بلا بيان لا تنافى الحكم الواقعي ولا تضاده كذلك الرخصة التي تستفاد من قوله (ص) : (رفع عن امتي ما لا يعلمون) والسر في ذلك هو ان هذه الرخصة تكون في طول الحكم الواقعى متأخرة الرتبة عنه ومعه كيف يعقل ان تضاد الحكم الواقعى مع ان ذلك يجري في الامارات والاصول التنزيلية وبذلك تندفع الشبهة بجميع تقاريرها إلا انه تكون على ما بيناه من عدم سراية الاحكام الى المعنونات الخارجية.

واما ما ذكره من اندفاع الشبهة في الامارات والاصول المحرزة بانه ليس المجعول فيها حكما تكليفيا وانما المجعول هو الطريقية والوسطية في الاثبات فهو وان اندفعت شبهة اجتماع الضدين أو المثلين إلا انه تبقى شبهة نقض الغرض فانه مع فعلية الارادة يوجب حفظ غرضه خصوصا في حال الانفتاح وحينئذ في هذا الحال يجعل ما يوجب تفويت غرضه فيكون نقضا لغرضه وهو باطل على ان قياس المقام بالحجة العقلية على الخلاف حيث يقول (فالرخصة المستفادة من حكم العقل الخ) في غير محله اذ ذلك بالنسبة الى حكم العقل يكون من التفويت القهري فيحكم العقل بالبراءة فلا يكون من تفويت الغرض باختياره بخلاف الجعل

١١٨

الشرعي فانه يكون بالنسبة الى ما لو كان على الخلاف تفويتا بسبب الامور الاختيارية فيكون من تفويت الغرض أو المصلحة أو الالقاء في المفسدة باختياره وهو قبيح لا يصدر من الحكيم.

وبالجملة ما ذكره من جعل الطريقية والمحرزية لا تندفع به الشبهة بجميع تقاريرها وانما يندفع لزوم اجتماع المتضادين ونحوه لعدم انشاء حكم في مؤدى الطريق لكى يلزم مع المصادفة اجتماع المثلين ومع المخالفة اجتماع الضدين على ان هذا المحذور أيضا يلزم الاصول التنزيلية إذ ليس المجعول فيها الطريقية وقد التزم (قدس‌سره) بان المجعول الجرى العملي لا الحكم التكليفى فان رجع ذلك الى الامر بالمعاملة والبناء على احد طرفى الشك فحينئذ يتوجه محذور اجتماع الضدين وان لم يرجع الى ذلك فلا معنى للجري العملي.

فتحصل مما ذكرنا انه لا تندفع الشبهة بجميع تقاريرها بذلك بل بما ذكرنا من طولية الحكمين بنحو لا يسرى أحدهما للآخر والاستاذ (قدس‌سره) لما لم يلتزم بالطولية اجاب عن الشبهة بان اوامر الطرق ليست مولوية وانما هي ارشادية لجعل الحجية ، وعلى تقدير تسليم انها مولوية فليست إلا احكاما طريقية غير ناشئة عن ارادة ومصلحة في المتعلق وانما جعلت طريقا لحفظ الواقع وحينئذ لم يكن في مفاد الامارة حكم لكى يلزم من جعل الامارة اجتماع الحكمين المتضادين هذا في الطرق ، واما في الاصول ففى بعضها يقع الاشكال كمثل قاعدة الطهارة والحلية واستصحابهما حيث ان مفادها الترخيص والاذن في الاقتحام فتكون منافية للحكم الواقعي لو كان مخالفا حيث انه متضمن لارادة فعلية على الالزام ومعه كيف يأذن ويرخص على خلاف تلك الارادة الفعلية وإلا

١١٩

لزم المحال لاستحالة الجمع بين الارادة الفعلية الواقعية مع الترخيص على الخلاف فاجاب (قدس‌سره) عن ذلك بان الحكم الواقعي في الامارات فعلي نعم تنجزه يتوقف على علم المكلف بخلاف الاحكام الواقعية في موارد الاصول فانها باقية على مرتبة الشأنية بنحو لو علم بها لتنجز لا المرتبة الشأنية المحضة بمعنى لو علم به لم يتنجز فاذا كانت الاحكام في موارد الاصول المانع عن فعليتها جهل المكلف فهي شأنية في موارد الاصول على الخلاف لم تبلغ الى مرتبة الفعلية فلا تكون مضادة لجعل الترخيص على خلافها إذ المضادة انما تحصل مع بلوغها الى مرتبة الفعلية ولكن لا يخفى ما فيه فان ذلك لا يدفع إلّا شبهة اجتماع الضدين او المثلين واما شبهة تفويت الغرض او المصلحة في حال الانفتاح فيما ذكر فلا تندفع فان فعلية الغرض توجب حفظ مرام المولى بنحو يلزم الفحص ومعه كيف يجعل ما بفوت به غرضه لاستحالة صدور ذلك من الحكيم وكيف كان فقد اختلف القوم في قيام الامارة على أقوال ثلاثة (١) الاول القول بالطريقية مطلقا اى سواء وافقت

__________________

(١) الغرض من تقسيم القوم الامارة الى الطريقية والموضوعية اي السببية هو دفع شبهة ابن قبة من تحليل الحرام وتحريم الحلال الذى هو أصل المحاذير التي ذكرت بما حاصله ان هذه المحاذير تندفع على اى تقدير مما يراد من الامارة طريقية كانت أو سببية بتقريب انها تارة ترجع الى ناحية الملاك كمثل تفويت الغرض والمصلحة او القاء في المفسدة واخرى ترجع الى ناحية الخطاب كمثل اجتماع الضدين أو المثلين اما ما يرجع الى ناحية الملاك فعلى الطريقية فيمكن دفع الشبهة في حال الانفتاح بان الزام المكلف بتحصيل العلم عسر وذلك ينافى سهولة الشريعة وسماحتها فحينئذ مصلحة التسهيل تزاحم الملاك فللشارع ان يقدم المصلحة النوعية على المصلحة الشخصية لاجل التسهيل من دون ان يكون

١٢٠